الجمعة 29 مارس 2024 11:59 صـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    خصوصيةُ الصَوْمِ

    مصر وناسها

    إنَّ العباداتِ لتتفاضلُ فيما بينها ، فالعبادةُ ذاتُ الأثرينِ مثلاً أفضلُ من العبادةِ ذاتِ الأثرِ الواحدِ ، والعبادةُ في الحرمينِ – المكي والمدني – أفضلُ من العبادةِ فيما سواهما ، وقد تكونُ الصدقةُ بدرهمٍ أفضلَ من صدقةٍ بمائةِ ألفٍ...، وهكذا بيْدَ أنَّ العباداتِ كلها للهِ حقٌّ واجبٌ له على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، ومن هذه العباداتِ التي أوجبها اللهُ علينا الصومُ الذي اختصه اللهُ بقوله : " كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامُ فإنَّه لي ، وأنا أجزي به " متفقٌ عليه . وهذه خصوصيةٌ ليست لغيره من العباداتِ مع أنَّ العباداتِ كلها للهِ – كما أشرنا – فلِمَ كانت هذه الخصوصيةُ ؟

    وللإجابةِ أقولُ :
    لاختصاصِ الصومِ بهذا الفضلِ ، وتلكَ المكانةٍ أسبابٌ من أهمها ما يلي :

    1-أنَّ الصومَ سرٌّ بينَ العبدِ وربِّه ، فلا يطلعُ عليه أحدٌ غيره ؛ لذا كان أبعدَ العباداتِ عن الرياءِ ، وأقربها إلى القبولِ والإخلاصِ .

    2-أنَّ كلَّ العباداتِ قد كُشفتْ مقادريرُ ثوابها للناسِ ، وأنها تتضاعفُ من عشرةِ إلى سبعمائةِ ضعفٍ إلى ما شاءَ اللهُ إلا الصومُ ، فإنَّ اللهَ يثيبُ عليه بغيرِ تقديرٍ ، قال تعالى : " إلا الصيامُ فإنَّه لي ، وأنا أجزي به " .

    3-أنَّ معنى قوله تعالى :" إلا الصيامُ فإنَّه لي " ، أي أنّه أحبُّ العباداتِ إليَّ ، والمُقدَّمُ عندي ؛ لذا قال - ﷺ - :" عليكَ بالصومِ فإنَّه لا عدلَ – أي مثلَ - له " رواه النسائي .

    4-التخصيصُ هنا لا يُفهمُ منه إلا التعظيمُ والتشريفُ ، كما يُقالُ : بيتُ اللهِ " الكعبةُ " ، وإن كانتْ البيوتُ كلها للهِ ، فلولا عظمُ الصومِ ، وعلوُّ منزلته عندَ اللهِ لما نسبه إليه .

    5-أنَّ من معاني اسمِ اللهِ " الصمدُ " الذي لا جوفَ له ؛ لذا لا يحتاجُ إلى الطعامِ والشرابِ ، والمسلمُ في هذه العبادةِ يتشبَّه باللهِ - سبحانه وتعالى - ؛ لذا كانَ الصومُ أحبَّ إلي اللهِ من غيره .

    6-أنَّ العباداتِ قد يُنتقصُ من أجرها ، وتكونُ فيها المقاصةُ بمعنى أنَّ الإنسانَ إذا ظلمَ أحداً ، فإنَّ هذا المظلومَ يأخذُ من حسناتِ عباداته يومَ القيامةِ إلا الصومُ ، فاللهُ – عزَّ وجلَّ – قد اختصَّ به نفسه ، فيتحملُّ عن الظالمِ ما بقيَ من مظلمته ، ويُبقي ثوابَ الصومِ خالصاً له . قالَ تعالى : " يدعُ شهوته وطعامه من أجلي " رواه مسلمٌ .

    7-لأنَّ الصومَ اجتمعتْ فيه أنواعُ الصبرِ كلها ، صبرٌ على طاعةِ اللهِ ، وصبرٌ عن محارمِ اللهِ ، وصبرٌ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ من الجوعِ والعطشِ ، وضعفُ البدنِ والنفسِ ، فهو يمنعُ من ملاذِّ النفسِ وشهواتها ما لا يمنعُ منه سائرُ العباداتِ ، فيكونُ الصائمُ صابراً ، وقد قالَ تعالى :{ إنَّما يُوفَّى الصابرونَ أجرهم بغيرِ حسابِ } سورة الزمر آية-10 ، قال فيها الأوزاعيُّ : "ليسَ يُوزنُ لهم ولا يُكالُ ، إنَّما يُغرفُ لهم غرفاً " .

    هذه هي أهمُّ الأسبابِ التي جعلتْ للصومِ هذه الخصوصيةَ ، فشرَّفته وأعلتْ منزلته بالانتسابِ إلى اللهِ – تباركَ وتعالى – فاحرصوا يا عبادَ اللهِ على أن تؤدوه كما أرادَه اللهُ منكم لا بمجردِ الكفِّ عن الطعامِ والشرابِ ، بل بالكفِّ عن سائرِ المحرماتِ والآثامِ ، فتصومُ العينُ عن النظرِ إلى ما حرَّمَ اللهُ ، وتصومُ الأذنُ فلا تسمعُ ما يغضبُ اللهُ ، وتصومُ اليدُ فلا تمتدُ إلى الحرامِ ، وتصومُ الرجلُ فلا تمشي في الحرامِ ، ويصومُ القلبُ عن الهممِ الدنيِّةِ ، ويصومُ العقلُ عن الأفكارِ الشيطانيةِ ، فإذا ما كانَ صومكم على هذه الكيفيةِ تقبَّله اللهُ منكم ، وفتحَ لكم بابَ الريِّانِ على مصراعيه ؛ لتدخلوا منه ، فيُغلقُ ولا يُفتحُ لأحدٍ سواكم . قال - ﷺ - : "إنَّ في الجنةِ باباً يُقالُ له الريِّانُ ، يدخلُ منه الصائمونَ يومَ القيامةِ ، لا يدخلُ منه أحدٌ غيرهم ، يُقالُ : أينَ الصائمونَ ؟ فيقومونَ ، لا يدخلُ منه أحدٌ غيرهم ، فإذا دخلوا أُغلقَ عليهم فلم يدخلْ منه أحدٌ " رواه البخاري .

    جعلني اللهُ وإياكم ممن سلَّمنا لرمضانَ ، وسلَّمَ رمضانَ لنا ، وتسلَّمه منا مُتقبَّلاً ، وأعاننا فيه على الصيامِ والقيامِ ، وأعاذنا من جميعِ الشرورِ والآثامِ ، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه .

    f91352ca0b90a5955b1e5bd7770c4a4c.jpg
    خصوصيةُ الصَوْمِ