الجمعة 1 نوفمبر 2024 01:49 صـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    مجدي درويش يكتب عن نبى الله عيسى ” الجزء الثانى ”

    مجدي درويش
    مجدي درويش

    ونكمل الجزء الثانى مع نبى الله عيسى عليه السلام، وأن أولى الناس بعيسى هو النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو القائل أنا أولى الناس في الأولى والأخرة، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أنا أولى الناس بابن مريم الأنبياء أولاد علات وليس بيني وبينه نبي" رواه البخاري، فيجب علينا جميعا الإيمان بعيسى عليه السلام لأن الإيمان به هو من الإيمان بالله، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة البقرة " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " وهكذا فإن الإيمان برسالة نبى الله عيسى عليه السلام يوجب دخول الجنة، فإعلموا أن من موجبات الجنة هو الإيمان بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فعن عُبادة بن الصامت رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وكلمته إلقاها إلى مريم وروح منه والجنة والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" رواه البخارى.

    ونبى الله عيسى عليه السلام أنه لا يشبهه في الخلق إلا أبونا آدم عليه السلام، حيث أن الله عز وجل خلق آدم من تراب وخلق عيسى عليه السلام من غير أب يقول الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة آل عمران " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " ولكن كان بعد ذلك أن بين الله سبحانه وتعالى، خلق عيسى ومجيئه بالآيات وما كان من أمر قومه في الإيمان والكفر به، كشف شبهة المفتونين بخلقه على غير السنة المعتادة والمحاجين فيه بغير علم، ورد على المنكرين لذلك فقال تعالى " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم" أي إن شبه عيسى وصفته في خلق الله إياه على غير مثال سبق كشأن آدم في ذلك، ثم فسر هذا المثل بقوله تعالى " خلقه من تراب" أي قدر أوضاعه وكون جسمه من تراب ميت أصابه الماء فكان طينا لازبا ذا لزوجة ثم قال له كن فيكون أي ثم كونه تكوينا آخر بنفخ الروح فيه، ولقد كان نبى الله عيسى عليه السلام هو معجزه عند ولادته، فإن أصعب ما تمر به المرأة عندما يأتيها المخاض فتكون المرأة في ضعف ووهن شديد فكيف إذا انضم إلى ذلك الرمي بالفاحشة والوحدة فليس معها أم ولا أخت ولا سند.

    فكان هذا هو حال السيدة مريم عليها السلام وعندها تداركتها العناية الربانية بالمنح والمعجزات التي تشد العضد وتزيل الهم ولقد قال الله تعالى في شأن السيدة البتول مريم عليها السلام وهو يصف لنا حالها فى كتابه الكريم فى سورة مريم " فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، فنادها من تحتها ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا وهزى إليك بجزع النخلة تساقط عليكى رطبا جنيا، فكلى واشربى وقرى عينا فإما ترين من البشر أحد فقولى إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم أنسيا" وهنا يصور الله عز وجل لنا حالة السيدة مريم عليها السلام عندما جاءها المخاض، أي فاضطرها وألجأها وجع الولادة وألم الطلق إلى الاستناد إلى جذع النخلة والتعلق به، لتسهيل الولادة، فتمنت الموت قبل ذلك الحال، استحياء من الناس، وخوفا أن يظن بها السوء في دينها، أو أن تكون شيئا لا يبالي به، ولا يعتد به أحد من الناس كالوتد والحبل، أو لم تخلق ولم تك شيئا، وقال ابن كثير، أنه فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد.

    ولا يصدقونها في خبرها، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية، فهنا كان النداء " فنادها من تحتها ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا" أي فناداها جبريل من تحت الأكمة أو من تحت النخلة، وقيل المنادي هو عيسى عليه السلام، وقد أنطقه الله بعد وضعه تطييبا لقلبها وإيناسا لها، قائلا، لا تحزني، فقد جعل ربك تحتك جدولا أو نهرا صغيرا، أجراه الله لها لتشرب منه، وقيل المراد بالسري هنا عيسى عليه السلام، والسري هو السيد العظيم الخصال من الرجال، فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما، أن المراد بمن تحتها هو جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها، فكان في هذا لها آية وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله تعالى فيها مراد عظيم، وهذا هو الأصح، وأما قوله تعالى " وهزى إليك بجزع النخلة تساقط عليكى رطبا جنيا " أي حركي جذع النخلة، تسقط عليك رطبا طريا طيبا، صالحا للاجتناء والأكل من غير حاجة إلى تخمير وصناعة، وهذه آية أخرى، وقيل أنه كان جذع نخلة يابسة في الصحراء، ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة، وكان الوقت شتاء، وقيل أنها كانت النخلة مثمرة.

    اقرأ أيضاً

    والمهم في الأمر هو وجوب اتخاذ الأسباب لتحصيل الرزق، والاعتقاد بأن الفاعل الحقيقي في تيسير الرزق هو الله سبحانه وتعالى، وأنه على كل شيء قدير، وأما التفاصيل فلا يجب علينا أن نعتقد إلا بما أخبر به القرآن الكريم صراحة، وأما الروايات فتحتاج إلى تثبت ودليل وسند صحيح، وما أحسن قول الشاعر عندما قال، ألم تر أن الله أوحى لمريم، وهزي إليك الجذع يساقط الرطب، ولو شاء أدنى الجذع من غير هزه، إليها ولكن كل شيء له سبب، وأما قوله تعالى " فكلى واشربى وقرى عينا " أي فكلي من ذلك الرطب، واشربى من ذلك الماء، وطيبي نفسا ولا تحزني وقرّى عينا برؤية الولد النبي، فإن الله قدير على صون سمعتك، والإرشاد إلى حقيقة أمرك، وقد قال عمرو بن ميمون، ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب، ثم تلا هذه الآية الكريمة، وكانت من معجزات نبى الله عيسى عليه السلام بعد ولادته هو الكلام وكما ذكر في الآيات السابقة بأنه قد امر الله تعالى السيدة مريم عليها السلام أن تصوم عن الكلام وكان هذا في شرعهم طاعة وعبادة والا تكلم أحد من البشر، فقال الله تعالى لنا مصورا لنا هذا المشهد العظيم فى كتابه العزيز فى سورة مريم

    " فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا، يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا، قال إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا، وجعلنى مباركا أين ما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " وهكذا جاءت السيدة مريم عليها السلام به تحمله في المهد صبيا لم تمر عليه ليالي ولا أيام وهنا تصدى لها عداء الأنبياء من قومها ورموها في شرفها وعرضها فلم تنطق ببنت بأى كلام لهم وإنما أشارت إلى عيسى عليه السلام وهنا تأتي المعجزة المسكتة لتلك الألسن الكاذبة فحينئذ قال عيسى عليه السلام، وهو في المهد صبي " قال إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا" فخاطبهم بوصفه بالعبودية، وأنه ليس فيه صفة يستحق بها أن يكون إلها، أو ابنا للإله، تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله " إنى عبد الله " وأما عن قوله آتانى الكتاب، أي قضى أن يؤتيني الكتب وجعلنى نبيا، فأخبرهم بأنه عبد الله، وأن الله علمه الكتاب، وجعله من جملة أنبيائه، فهذا من كماله لنفسه.

    ثم ذكر تكميله لغيره فقال وجعلنى مباركا أين ما كنت، أي في أي مكان، وأي زمان، فالبركة جعلها الله فيّ من تعليم الخير والدعوة إليه، والنهي عن الشر، والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله فكل من جالسه، أو اجتمع به، نالته بركته، وسعد به مصاحبه، وأما عن قوله " وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا" أي أوصاني بالقيام بحقوقه، التي من أعظمها الصلاة، وحقوق عباده، التي أجلها الزكاة، مدة حياتي، أي فأنا ممتثل لوصية ربي سبحانه وتعالى، عامل عليها، منفذ لها، ووصاني أيضا، أن أبر والدتي فأحسن إليها غاية الإحسان، وأقوم بما ينبغي له، لشرفها وفضلها، ولكونها والدة لها حق الولادة وتوابعها، ولم يجعلنى جبارا، أي متكبرا على الله، مترفعا على عباده، ومعنى " شقيا " في دنياي أو أخراي، فلم يجعلني كذلك بل جعلني مطيعا له خاضعا خاشعا متذللا متواضعا لعباد الله، سعيدا في الدنيا والآخرة، أنا ومن اتبعني، فلما تم له الكمال، ومحامد الخصال قال" والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " أي من فضل ربي وكرمه، حصلت لي السلامة يوم ولادتي، ويوم موتي، ويوم بعثي، من الشر والشيطان والعقوبة.