الخميس 16 مايو 2024 12:36 مـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    مجدي درويش يكتب عن التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء الخامس ”

    مصر وناسها

    ونكمل الجزء الخامس مع التخطيط والهجرة النبوية، فبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة إلى يثرب لم يتبق في مكة إلا عدد قليل من المسلمين لم يهاجروا لمرضهم وكبر سنهم، وكان من بين هؤلاء الصحابة الذين حبسهم المرض وكبر السن الصحابي الجليل ''ضمرة بن جندب'' الذي لم يستطع أن يتحمل مشقة السفر وحرارة الصحراء فظل في مكة مرغما ولكنه رضي الله عنه لم يتحمل البقاء بين ظهراني المشركين فقرر أن يتحامل على نفسه ويتجاهل مرضه وسنه، وبالفعل خرج ضمرة بن جندب وتوجه إلى يثرب، وأثناء سيره في الطريق اشتد عليه المرض، فأدرك أنه الموت وأنه لن يستطيع الوصول للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

    فوقف وضرب كفا على كف وقال وهو يضرب الكف الأولى اللهم هذه بيعتي لك، ثم قال وهو يضرب الثانية وهذه بيعتي لنبيك ثم سقط ميتا، فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بما حدث لضمرة ثم نزل قول الله تعالى " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما" فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأخبرهم بشأن ضمرة وقال حديثه صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" فحاز ضمرة شرفا لم يحزه غيره بأن نزل فيه قرآنا وسنة، وهكذا فإن العمل مع الله لا يشترط فيه أن تصل للهدف ولكن يكفيك أن تموت وأنت تعمل وتسير في الطريق إليه مادامت نيتك لله عز وجل.

    وكان أمير الشعراء يقول في مدحه للنبى صلى الله عليه وسلم "وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندى وللقلوب بكاء، يا أيها الأمي حسبك رتبة، في العلم أن دانت لك العلماء، ومعنى كلامه، أنه إذا خطبت يا رسول الله فإن الناس في المسجد بين باكى ومتأوه لأن كلامه كان يخرج من قلبه، فكان كلامه الصدق، ولم يكن عنده ألغاز ولا أحاجي ولا ألغام ولا عقد، فكان إذا خطب حرك القلوب وأنهض المشاعر، ولهذا قال جولدزيهر المستشرق المجري اليهودي، والله أنا لا أعجب أن محمدا رسول الله من عند الله إلى الناس، فقد بعث الله من قبله رسلا إلى قومهم وأنبياء إلى أهلهم، إنما أعجب أشد العجب أن هذا الرجل كان أميا ما درس في مدرسة ولا تعلم في جامعة.

    ولا كان في بلد فيها حضارة، فكان صلى الله عليه وسلم يخطب في المسجد، وكان يُعلم في المسجد، وفي المسجد ظهرت الأمة والأئمة الكبار، وإن لأهمية حدث الهجرة المباركة ومكانتها بين الأحداث الإسلامية أرخ المسلمون بالهجرة كمعلم بارز في تاريخ الدعوة ولما للهجرة من آثار على انتصار الدعوة وظهورها ولأنه بالهجرة ولدت دولة الإسلام، وذكروا في سبب عمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه التأريخ بالهجرة "أن أبا موسى ألأشعرى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم أرخ بالمبعث، وبعضهم قال أرخ بالهجرة، فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه، الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها.

    وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا، قال بعضهم ابدؤوا برمضان فقال عمر بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه " ومما يروى أيضا أنهم أعرضوا عن التأريخ بمولده ومبعثه ومماته صلى الله عليه وسلم لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة، وأما الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه صلى الله عليه وسلم، ولقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن معه يحرصون كل الحرص على ألا تذوب شخصية هذه الأمة في شخصية غيرها من الأمم، إذا لم يرضوا أن يكونوا في تاريخهم تبعا لأمة من الأمم، بل كانوا مبدعين في كل شيء، ليسوا إمعات ولا ببغاوات، يستوردن فكرهم وثقافتهم وتاريخهم من غيرهم،

    b4f58bbd17e83f025dc6ed57f00a66c1.jpeg
    التخطيط الهجرة النبوية الجزء الخامس