بعد أزمته مع باول.. هل يطيح ترامب باستقلالية الفيدرالي؟.. خبير يوضح


قال الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، أن استقلالية السياسة النقدية تعد الضمانة الأولى لاستقرار الأسواق، وأن المساس بها ينذر بمخاطر عميقة على النظام المالي العالمي.
وأضاف أنيس، في تصريحات لـ"شبكة رؤية الإخبارية" أن التراجع عن مبدأ الاستقلالية في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة ستكون له تبعات اقتصادية مباشرة، إذ يوضح أن “التدخل السياسي في قرارات السياسة النقدية يعني ببساطة تسييس أدوات الاقتصاد، وهو ما يقوض ثقة الأسواق ويجعلها أكثر عرضة للتقلبات المفاجئة”.
وأشار إلى أن التجربة التاريخية للبنوك المركزية المستقلة تؤكد أنها ساهمت في السيطرة على التضخم وضمان استقرار النمو، وجذور استقلال الفيدرالي تعود إلى “اتفاقية الخزانة والفيدرالي” عام 1951، والتي فصلت بين السياسة النقدية والمالية، مانحةً البنك المركزي القدرة على ضبط المعروض النقدي بمعزل عن حسابات الإدارة التنفيذية.
وأكد أنيس أن الخلاف بين ترامب والفيدرالي يتجاوز الداخل الأمريكي، ليمس النظام المالي العالمي، قائلًا: “مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية تعتمد بالأساس على ثقة المستثمرين في أن السياسة النقدية تُدار بمعايير علمية مستقلة؛ أي تسييس لهذه القرارات يضعف من هذه الثقة”.
ويرى الخبير الاقتصادي، أن تهديد ترامب بإقالة قيادات الفيدرالي قد يؤدي إلى زيادة تقلبات الأسواق المالية العالمية، مع احتمال تراجع جاذبية الدولار أمام عملات أخرى أو حتى الأصول البديلة كالذهب، مضيفًا: “المستثمرون يحتاجون بيئة مستقرة، وأي هزة في استقلالية الفيدرالي تنعكس فورًا على تدفقات الاستثمار نحو الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية”.
وأشار أنيس إلى أن ما يحدث اليوم يمثل سابقة خطيرة؛ فبينما كانت الإدارات الأمريكية السابقة تتحاشى انتقاد الفيدرالي علنًا، فإن ترامب صعّد حملته منذ 12 أغسطس ولوّح بدعوى قضائية ضد باول بسبب تكاليف تجديد مقر البنك، قبل أن يهدد في 22 أغسطس بإقالة عضو مجلس المحافظين ليزا كوك.
أنيس لم ينكر أن الأزمات الكبرى كشفت بعض جوانب القصور في أداء البنوك المركزية المستقلة، لكنه يعتبر ذلك “جزءًا من طبيعة الأزمات وليس عيبًا هيكليًا في مبدأ الاستقلالية”، مضيفًا: “في أزمة 2008، تدخل الفيدرالي بجرأة عبر برامج التيسير الكمي لإنقاذ النظام المالي، صحيح أن هذه السياسات خلقت جدلًا حول العدالة الاجتماعية، لكنها منعت انهيارًا شاملًا”.
ويرى أن المطالبة بالمساءلة والشفافية لا تتعارض مع الاستقلالية، بل تكملها، مشددًا على أن “المطلوب هو توازن دقيق بين الاستقلال النقدي والرقابة الحكومية، بحيث لا تتحول البنوك المركزية إلى مؤسسات مغلقة، وفي الوقت نفسه لا تصبح أداة في يد السياسيين”.