باحث: ما يشهده سوق الذهب يمثل تحوّلًا هيكليًا داخل النظام المالي العالمي


في عالم تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية وتتزايد المخاوف من موجات التضخم الجامح، يتصدر الذهب المشهد الاقتصادي كأحد أكثر الأصول الدفاعية موثوقية.
فمع بداية عام 2025، سجّل المعدن الأصفر أداءً لافتًا جذب أنظار المستثمرين والبنوك المركزية على حدٍّ سواء، في مؤشر على تصاعد القلق العالمي بشأن استقرار النظام المالي الدولي بحسب محمود جمال الباحث المحلل الاقتصادي.
وأوضح جمال، في تصريح خاص لـ "شبكة رؤية الإخبارية"، أنه بين تقلّب السياسات النقدية واحتدام الحرب التجارية بين القوى الكبرى، بات الذهب يحظى بمكانة لا تنازع، خصوصًا مع ضعف شهية المخاطرة واتساع الفجوة بين الثقة في الأصول التقليدية والبحث عن ملاذات أكثر أمانًا.
من الناحية الفنية، أوضح أن أسعار الذهب ارتفعت بنحو 12% منذ بداية العام، فيما سجّل شهر أبريل وحده مكاسب بلغت 4.8%، لتتجاوز المكاسب السنوية عتبة 21%.
كما كشفت بيانات مجلس الذهب العالمي عن تسجيل البنوك المركزية ولا سيما في الصين وروسيا والهند—لمشتريات قياسية لم يشهدها السوق منذ عقود.
وأضاف: "هذا الاتجاه لم يمر مرور الكرام على بيوت الاستثمار الكبرى. فقد رفعت “جيه بي مورجان” توقعاتها لسعر الذهب إلى 2500 دولار للأوقية خلال الأشهر المقبلة، بدعم من تراجع جاذبية الدولار الأمريكي. وذهبت “جولدمان ساكس” إلى ما هو أبعد، متوقعة استمرار الاتجاه الصعودي حتى عام 2026، بينما نصحت “يو بي إس” بتخصيص ما لا يقل عن 10% من المحافظ الاستثمارية للذهب تحسبًا لصدمات الأسواق.
نبض القلق العالمي
يرى الباحث الاقتصادي أن ما يشهده سوق الذهب لا يعبّر عن طفرة سعرية عابرة، بل يمثل تحوّلًا هيكليًا في موقع الذهب داخل النظام المالي العالمي.
يقول جمال: “الذهب الآن يعكس نبض القلق العالمي. إنه ليس مجرد أصل استثماري، بل صمام أمان تلجأ إليه الدول والمؤسسات عندما تهتز الثقة بالنظام المالي، مضيفا أن البنوك المركزية تتجه بقوة نحو الذهب لتنويع احتياطاتها، وتقليل الاعتماد على الدولار. ويتابع: “أي انخفاض مؤقت في الأسعار يمثل فرصة نادرة للشراء، وأتوقع استمرار هذا الاتجاه حتى 2030 على الأقل”.
الذهب بين محركات الصعود وتحديات الهبوط
أوضح أنه رغم الزخم القوي، لا يخلو طريق الذهب من العقبات. فبينما تدفع التوترات الدولية والتضخم المستمر المستثمرين نحو المعدن الأصفر، تبقى قرارات البنوك المركزية سيفًا ذا حدّين، إذ أن أي توجه نحو تشديد السياسات النقدية، خاصة في الولايات المتحدة، من شأنه أن يدعم الدولار ويضغط على أسعار الذهب. كذلك، فإن الابتكارات في تكنولوجيا التعدين قد تزيد من المعروض، بينما تلوح في الأفق منافسة العملات الرقمية التي تجذب شريحة من المستثمرين الشباب.